سورة يونس - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


أي لو أَجبناهم إذا دعوا على أنفسهم عند غيظهم وضَجَرِهم لعَجلَّنا إهلاَكهم، ولكن تَحَمَّلْنَا ألا نُجِيبَهم، وبرحمتنا عليهم لا نسمع منهم دعاءَهم، وربما يشكو العبدُ بأنّ الربَّ لا يجيب دُعاءه، ولو عَلِمَ أنه تَرَكَ إجابَتَهُ لُطْفاً منه وأَنَّ في ذلك بلاءً لو أجابه، كما قيل:
أُنَاسً أعرضوا عنَّا *** بلا جُرْمٍ ولا معنى
أساءوا ظنَّهم فينا *** فهلاَّ أحسنوا الظنَّا


إذا امتُحِنَ العبدُ وأصابه الضُّرُّ أزعجته الحالُ إلى أَنْ يرومَ التخلُّصَ مما ناله، فيعلمَ أنَّ غيْر الله لا يُنْجِيه، فتحمله الضرورةَ على صِدْق الالتجاءِ إلى الله، فإذا كَشَفَ اللَّهُ عنه ما يدعو لأَجْلِهِ شَغَلَتْه راحةُ الخلاصِ عن تلك الحالة، وزَايَلَه ذلك الالتياع، وصار كأنه لم يكن في بلاءِ قط:
كأنَّ الفتى لم يَعْرَ يوماً إذا اكتسى *** ولم يكً صُعلوكاً إذا ما تَموَّلاَّ
ويقال بلاءُ يُلْجِئُك إلى الانتصاب بين يَدَيْ معبودِك أجدى من عطاءٍ ينْسِيك ويكفيك عنه.


أخبر الحقُّ سبحانه بإهلاك الظالمين، كما في الخبر: «لو كان الظلم بيتاً في الجنَّة لسلّط اللَّهُ عليه الخراب». والظلمُ وَضْعُ الشيء في غير موضعه، فإذا وَضَعَ العبدُ قَصْدَه- عند حوائجه- في المخلوقين، وتعلَّق قلبُه بهم في الاستعانة، وطََلَبَ المأمول فقد وَضَعَ الشيءَ في غير موضعه، وهو ظلم؛ فعقوبة هذا الظلم خرابُ القلب، وهو انسداد طريق رجوع ذلك القلب إلى الله؛ لأنه لو رجع إلى الله لأعانه وكفاه، ولكنه يُصِرُّ على تعليق قلبه بالمخلوق فيبقى عن الله، ولا ترتفع حاجتُه من غيره، وكان من فقره وحاجته في مَضَرَّةِ. فإنْ صار إلى مضرة المذلة والحاجة إلى اللئيم فتلك محنةٌ عظيمةٌ.
وعلى هذا القياس إذا أحبَّ مخلوقاً فقد وَضَعَ محبته في غير موضعها، وهذا ظلم، وعقوبته خراب روحه لعدم صفاء ودّه ومحبته لله، وذهاب ما كان يجده من الأنُس بالله، إذا بقي عن الله يُذيقه الحَقُّ طعمَ المخلوقين، فلا له مع الخْلقِ سَلْوة، ولا من الحق إلا الجفوة، وعدم الصفوة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8